في ديداكتيك مادة التربية الموسيقية : إشكالات و حرقة أسئلة

أود في مستهل هذه المقاربة النقدية العجلى ، أن أقرب الإخوة في ( مطر ) وكذا المنشغلين بالحقل التربوي والتعليمي بمن فيهم أولياء أمور المتمدرسين ، من سياقات وإشكالات تدريس مادة التربية الموسيقية في المؤسسات التعليمية العمومية ، وما يسم خطة وزارة التربية الوطنية من غموض وارتباك في الإقرار ، ومن سوء فهم كبير لدى العديد من الأسر التي تبني الكثير من مقارباتها النقدية على مرجعية محافظة واحتقارية لكل مواد التفتح الفني والجمالي بمبررات شتى ، لعل أوضحها إثارة كون ناشئتنا لم تحقق بعد ، إشباعها في بطونها وموادها الأساسية في التدريس ، فكيف لها والحالة هذه ، أن تتجرع مادة مسمومة تمرغ وقتها في الرذيلة واللهو وتجعلها في تماس و مواجهة أليمة ومباشرة مع الشيطان...ولعل هذه الذهنية الماضوية هي التي كانت سببا في إقدام العديد من الآباء على تغيير مؤسسات أبنائهم أو تغيير مسار توجيههم صوب مادة التربية التشكيلية ، إن وجدت ، باعتبار أن هذه الأخيرة تمثل الضرر الأدنى والأخف ...
وإذا كانت مادة التربية الموسيقية تدرج في إطار الظواهر التربوية الحديثة كمشروع تربوي يستلزم بالضرورة ضبط أهدافه والاستناد على مقاربات علمية لتمحيصه وفهمه ، والاقتناع بخصوصيته واستيعاب أبعاده الوجدانية والبيولوجية والسيكولوجية والحضارية على الناشئة مع مراعاة الشرط الثقافي العام للمجتمع ، لتحقيق الكفايات المنشودة كمدخل أساس لمنهاج وموقع مادة التربية الموسيقية بالتعليم الثانوي الإعدادي ، و لاستثمار التعلمات وتحسين جودة الحياة المدرسية وترقية الذوق الفني وتقوية الإحساس بمتعة التعلم وتحفيز المتعلم على التحصيل الدراسي وعلى الاعتزاز بالانتماء إلى المدرسة ... فان الوزارة إياها لم تمهد لهذه الأرضية الفكرية التي تستدعي قرارا سياسيا حاسما وثورة سلمية تنويرية عميقة في بنية العقل المغربي وفي ثوابته المغلوطة ، تجاه شجرة الإبداع الفني والجمالي ...
لقد سقط المشروع التربوي الفني التعليمي بالمؤسسات الوطنية العمومية ، بالمظلة ودون استئذان منذ سنة 1995 عندما قررت الوزارة الوصية بشكل أحادي وفوقي ، إدراج مادة التربية الموسيقية في تلابيب المنظومة التربوية ، في إطار شراكة مع المصلحة الثقافية التابعة للسفارة الفرنسية بالمغرب والحركة الدولية لتنمية الغناء ... فكان من ثمرات هذه الخطوة ، إصدار مقرر ( صول فا ) ، الذي أعده كل من مرسيل كورنلو و الأستاذ يونس الشامي ، تحت نفقة الجهة
إياها ، وهو منشور باللغتين العربية والفرنسية ويضم 31 درسا ، قيل إنها مادة غزيرة يمكن للأستاذ الاسترشاد بها ، والاستناد عليها في تحضير دروسه ، كما يمكن لتلامذة السلك الثاني من التعليم الأساسي أن يعتبروها أداة عمل صالحة للاستعمال ...
وإذا كان المقرر المذكور بغوص في مسلسل من الإطراء المبشر ببزوغ شموس الأنوار (المكشوفة )، فانه لاينفك يحاور التلاميذ بلغة استقطابية مرهفة ، داعيا إياهم إلى المشاركة الفعلية في العملية التربوية والى دفعهم تدريجيا إلى سبيل التعلم وبلوغ مدارك الجمال ...
ودون الخوض في خبايا النوايا ، ولا تعليق معضلة التبعية الثقافية على مشجب التبشير بنظرية الفرونكونية المنتظرة ، فإننا نتساءل عن ماهية تحقيق الكفايات المطلوبة ، من أطروحة تخلط الأوراق بين متعلم فرنسي يؤهله محيطه لتقبل الخبرات والمعارف ، وقرينه المغربي الغارق في بحر من المتناقضات الثقافية والسوسيولوجية المكبلة لنموه السيكولوجي والحركي والاجتماعي ... ومنذ 15 سنة خلت ، خضعت مادة التربية الموسيقية لسيل من التجارب و التشريحات الايكلينيية العسيرة والتي لم يتولد عنها ما يجيب عن سؤال الموسيقى وعن مقارباتها البيداغوجية والديداكتيكية وعن تأهيل عنصرها البشري وكفايته ... لقد حاولت الوزارة الوصية ترجمة هذا المخاض الذي ذهبت رياحه مع كرسي عبد الله ساعف ، الوزير السابق ، الذي كان يحلم بتعميم مادة الموسيقى حتى على أسلاك الثانوي التأهيلي ، بسيل من المذكرات الرسمية للالتفاف على مقولة حضور الدرس الموسيقي ضمن المنظومة التعليمية والتربوية ، كان أقواها المذكرة 158 المؤرخة في 20 غشت 1995 ، والتي تؤسس لفضاء الموسيقى المتخيل ، لغياب شروطه في الواقع ، تم تعديلها بالنشرة 00/012 الصادرة عن منسقية دعم التربية الموسيقية بوزارة التربية والتي تؤكد على إجبارية تطبيق المادة وتعميمها على جميع فئات التمدرس بالسلك الثانوي الإعدادي ، لتنقط كغيرها من المواد المدرسة، ويعطى لها المعامل 1 في الامتحانات الدورية ، ويدخل تنقيطها في حساب المعدلات العامة لسائر الامتحانات...غير أن ابرز مشروع ( وآخره ) في مسار تدريس مادة التربية الموسيقية هو الذي حملته المذكرة 135 التي تنظم خطة عمل المادة وطريقة تشغيل العنصر البشري وفق مراجعة منهاج التربية الموسيقية الذي يشكل المقرر فيه مكونا أساسيا في المنظومة التربوية خصوصا ما تعلق بالأسس التي صاغها الميثاق الوطني للتربية والتكوين
والتي تمس العديد من الاختيارات ، أهمها اعتماد بيداغوجيا الكفايات والتربية على القيم، ومفهوم التنشيط في مشاريع المؤسسة

المصدر : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]