بسبب عدم اندماجهم بشكل كلي في المجتمع، بالإضافة إلى قلة الولوجيات سواء إلى المؤسسات العمومية أو الخصوصية، وصعوبة التنقل عبر وسائل النقل العمومي.
استمعت "المغربية" إلى تصريحات مجموعة من الأشخاص المعاقين، خلال زيارة إلى إحدى المؤسسات الخيرية بالدارالبيضاء، التي تعنى بشؤون عدد مهم من الأشخاص المعاقين، خصوصا الأطفال منهم، وتسهر على رعايتهم، مع تقديم بعض العون المادي والمعنوي، فتبين، حسب تصريحات بعضهم، أن هذه الفئة ما زالت تعاني ظروفا صعبة، رغم الجهود الحثيثة التي تبذل لإخراجهم من دائرة التهميش.
وجرى الاستنتاج أن هناك نسبة كبيرة من بينهم ما زالت تعيش وضعية عسيرة، جراء الصعوبات، التي تواجهها للاندماج في الحياة الاجتماعية العادية، وفي ميدان العمل، نظرا لقلة الولوجيات الضرورية، التي تمكنها من الوصول بسهولة إلى أماكن التحصيل العلمي، أو إلى مقرات العمل، أو حتى في الصعود إلى وسيلة النقل العمومي.
قالت حسناء (18 سنة)، إنها لم تكن تتصور نفسها أنها إنسانة معاقة، تعتمد في تنقلاتها على كرسي متحرك، إلى أن أصاب الشلل قدميها، وأقعدها لمدة، طويلة، اعتمدت فيها على مساعدة أفراد أسرتها، حتى استفادت، ضمن عدد مهم من الأشخاص المعاقين، من كرسي متحرك، الذي مكنها من الخروج إلى الحياة العامة، ومواجهة صعوبات عدة، لم تكن تفكر فيها من قبل.
وأضافت حسناء، الحاصلة على شهادة الباكالوريا شعبة علوم رياضية، أن كونها إحدى التلميذات النجيبات المتفوقات كل سنة، كانت تحلم أن تلج مدرسة عليا في الهندسة، إلا أن الحادثة حطمت طموحها، وأرغمتها على تغيير مجرى حياتها، خصوصا أن حالتها الصحية، ما بعد الحادثة والإعاقة، لا تسمح لها بمزاولة مهنة تتطلب التحرك باستمرار والتنقل من مكان إلى آخر في أوقات وجيزة.
وتابعت حسناء حديثها، والدموع تملأ عينيها، حسرة على ما آلت إليه حياتها، إلا أنها ما لبثت أن حاصرتها، وتركت المجال لابتسامة رقيقة لتعبر عن إصرارها مواصلة الكفاح حتى تحقيق الذات، وقالت إنه رغم ما أحل بها، فإنها لن تمكث في مكانها، ولن ترضى لنفسها أن تظل عالة على غيرها، بل ستتابع دراستها الجامعية، وسوف تتمكن من الحصول على وظيفة متميزة، مشيرة إلى المقولة "لا أمل مع اليأس".
وتحسرت سعاد ( 21 سنة)، كانت تجلس رفقة حسناء، عن عدم قناعتها بأن ما يبذل من جهود كان كافيا ليخفف من معاناة الشخص المعاق، وجعله ينسى أنه يختلف عن غيره من المواطنين، وأن له ما لهم وعليه ما عليهم.
وقالت، إن خطأ طبيا كان وراء إصابتها بالإعاقة، إلا أنها راضية أصابها مرددة "وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، مضيفة "استطعت أن أتجاوز محنة وألم إعاقتي، لكن هواجس طموحاتي ما زالت تتردد على ذاكرتي وتخالجني باستمرار، وما زال صوت أحلامي المحطمة يراودني بين الفينة والأخرى".
وأضافت أنها لا ترى في إعاقتها سببا لتوقف مسار حياتها، بل إنها مصرة على مواصلة الدرب، ومتابعة الدراسة والتحصيل، مثل أقرانها من الشباب، إلا أنها تأمل في أن تتوفر الإمكانيات المادية والمعنوية لتمكين الأشخاص المعاقين مثلها من ولوج كل مكان بسهولة.
وواصلت حديثها قائلة "تقبلت إعاقتي، وتجاوزت المعاناة النفسية، بمساعدة ودعم أسرتي وأصدقائي، إلا أن ما يؤلمني أكثر هو خروجي إلى الشارع، وعدم تمكني من ولوج أماكن عمومية بسهولة، خصوصا، التي لا تتوفر على ممرات خاصة بالأشخاص المعاقين، كنت على استعداد تام لركوب الحافلة عن طريق الكرسي المتحرك، إلا أن ذلك يبدو صعب جدا، لأن النقل العمومي لا يوفر إمكانية للاستعمال من قبل أشخاص مثلي، الحال نفسه يواجهني عند دخول أحد المباني أو المؤسسات العمومية".
وقات إنها كانت تنوي المضي بعيدا في الدراسة والتكوين، خصوصا أنها كانت تحصل على نتائج جيدة نهاية كل سنة دراسية، إلا أنها اليوم، تؤكد أن كل أحلامها تتبخر، وأن مستقبلها يتذمر شيئا فشيئا، ليس لأنها أضحت شخصا معاقا، تعاني ما يعانيه غيرها من المعاقين، بسبب التهميش وقلة الاهتمام، موضحة أن الشخص المعاق في حاجة ماسة إلى رعاية واهتمام خاص، في المدرسة، وفي الشارع، وفي العمل.
وعبرت سعاد عن أسفها، لأنها لا تتمكن من الخروج إلا بمعية أحد أفراد أسرتها، أو أصدقائها ممن هم على استعداد لحملها ونقلها من أعلى أو أسفل الدرج وعلى جنبات الطرق ومن وإلى إحدى وسائل النقل العمومية، مشيرة إلى أنها أحيانا ترغب في ركوب سيارة نقل خاصة، إلا أنها تبقى تنتظر طويلا، لأن عددا كبيرا منهم لا يكلف نفسه مشقة الوقوف لمساعدتها وحملها إلى المكان، الذي تنوي الذهاب إليه.
من جهته، قال عمر (25 سنة)، إن حلم مزاولة مهنة ربان طائرة كان يراوده منذ بدأ ينطق أولى كلماته، عندما كان يسأله الأهل عما يريد أن يصير حين يكبر. لكن إصابته في حادثة سير، أفقدته استعمال يديه بشكل صحيح. وقال إن ما أثر في نفسه أكثر كان بعد حصوله على شهادة الباكالوريا، وضرورة تنقله إلى مسافة أبعد من التي تعود عليها، حيث إن المؤسسات الابتدائية والإعدادية والثانوية، التي كان يتابع فيها دراسته كانت قريبة من منزل أسرته، لكن تبعثرت كل آماله وأحس باليأس والإحباط، جراء الصعوبات التي يواجهها يوميا في طريقه ذهابا وإيابا إلى الجامعة.
وشرح أنه لولا مساعدة زملائه من الطلبة، لكان تخلى عن متابعة دراسته الجامعية، وفضل البحث عن فرصة عمل بسيطة ومتواضعة، لتفادي المعاناة مع النقل العمومي، الذي لا تراعى فيه حاجيات الأشخاص المعاقين.
وقال إنه بحكم تجربته الشخصية، يرى أن المشاكل تلازم الشخص المعاق، وأن المعاناة النفسية والمادية شيء بديهي، إذ أن مستلزمات عيشهم الخاصة تتطلب إمكانيات مادية مهمة، بالإضافة إلى الحاجة إلى دعم الأسرة والأصدقاء والأقارب، مضيفا أنه كلهم مجبرون على مواجهات صعاب يومية رفقة الشخص المعاق القريب منهم، والذي تربطهم به علاقة وطيدة.
من جهتها، قالت ليلى (23 سنة)، تعاني إعاقة منذ ولادتها، إنها جد متفائلة من المستقبل، نظرا للمشاريع التي أعطيت انطلاقتها، والجهود التي تبذل، إلا أنها ترى، بحكم معاناتها الشخصية مع الإعاقة، أن هناك الشيء الكثير يجب إنجازه لجعل حياة الشخص المعاق سهلة ومرحة، مع مساعدتهم على مواجهة الأثر السلبي للإعاقة، وتوفير الإمكانيات اللازمة لإدماجهم في الحياة العامة، عن طريق التعليم والشغل.
وذكرت مصادر رسمية أن هناك ضرورة إلى صياغة قانون جديد لتعزيز التقدم المحرز في توسيع حقوق الأشخاص المعاقين، ووضع إطار تشريعي متكامل وشامل يسد الثغرات والهفوات في القوانين الراهنة، في حين ترى فعاليات جمعوية أن الرفع من وتيرة الاهتمام بالشخص المعاق، أصبحت ضرورة حتمية، خصوصا أن هناك إحصائيات تشير إلى أن عدد الأشخاص المعاقين بالمغرب يبلغ أكثر من مليون ونصف المليون، أي بنسبة تفوق 5 في المائة من إجمالي السكان، حسب ما أوردته نتائج آخر بحث وطني حول الإعاقة، الذي أكد أن نسبتها ترتفع في الوسط الحضري أكثر من الوسط القروي.
وتفيد الأرقام نفسها أن ثلث المعاقين من فئة الأطفال، فقط، يتمكنون من الاستفادة من حق التعليم، في حين أن 55 في المائة من الأشخاص المعاقين النشيطين لا يجدون عملا.
وكانت نزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، تحدثت عن الحاجة إلى قانون يتماشى مع المواثيق الدولية، يكون شاملا ويتوافق مع المعاهدات الدولية، والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان، وليس مجرد قانون على أساس المقاربة الخيرية.
كما ذكرت الصقلي، أنه يجب التفكير في وسائل عمل فاعلة لكي تشمل الإفادة كل الأشخاص المعاقين، مشيرة إلى أن شخصا واحدا فقط، من كل مائة شخص معاق، يتوفر على تأمين يغطي التكاليف الطبية المرتبطة بإعاقته بشكل كامل، مؤكدة على ضرورة وضع "إطار تشريعي شامل ومندمج" بهدف تعزيز الإدماج الاجتماعي للأشخاص المعاقين.
كما شددت الوزيرة، في مداخلة لها خلال ندوة وطنية نظمت بالرباط تحت شعار "من أجل تشريع وطني لتعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة"، على ضرورة نهج سياسة إرادية وإنسانية تقوم على مبادئ التنمية الإدماجية والاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمشاركة غير التمييزية.
وفي عرض تقديمي حول "مسودة القانون المتعلق بتعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة"، كان رشيد الكنوني، مدير الوقاية والإدماج الاجتماعي للأشخاص المعاقين ب لوزارة، ذكر أن الإطار العام، الذي أحاط بصياغة هذه المسودة يتميز بمناخ حقوقي ملائم، يتجلى في التقدم المسجل على مستوى النهوض بحقوق الإنسان بالمغرب والإصلاحات التشريعية المهمة التي تعرفها المملكة، فضلا عن المشاركة الفعالة للمغرب في إعداد الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ومصادقته عليها. وأوضح الكنوني أن مسودة هذا القانون تروم ضمان الحد الأدنى من الحقوق الأساسية لفئة الأشخاص المعاقين. وتجاوز المعيقات القانونية، والإدارية، والتقنية، التي تعرفها هذه الشريحة، بالإضافة إلى تجميع المكتسبات الحقوقية في نص واحد، وفق مقاربة حقوقية، وتشاركية، واجتماعية دامجة. وسجل الكنوني وجود ثغرات في النصوص القانونية الحالية تتمثل في كونها نصوصا عامة وفضفاضة، تفتقر لعنصر الجزاء القانوني في حالة مخالفتها، وتعتمد المقاربة الطبية في صياغة نصوص الرعاية الاجتماعية.