جامع الفنا .. فرجة شعبية وتراث إنساني
تتعدد الأسماء والألوان والحكايات في مراكش لكنها تنتهي حتما بتيمة واحدة اسمها " جامع الفنا"، فزائر " المدينة الحمراء" تبدأ
ذكرياته بها وتنتهي دائما في هذه الساحة العجيبة التي لاتمل من زائريها اللذين يحملون بداخلها على الدوام نفس الدهشة الطفولية التي رافقتهم في أول زيارة.
وتتعدد الروايات والتفسيرات لاسم هذه الساحة الشهيرة، التي بناها السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين منذ حوالي عشرة قرون، لكنها
تؤكد في الغالب أن ذلك جاء بسبب تميزها في الموقع ، حيث تعد نقطة التقاء بين المدينة والقصبة والملاح، وتفردها عن ساحات أخرى بالمدينة.
ونتيجة لذلك ، فإن القليلين من يستحضرون أن أبناء المدينة الأصليين، يطلقون صفات أخرى على هذه الساحة، التي استعملت تاريخيا لأغراض سياسية وعسكرية ومدنية منتظمة أو موسمية، من قبيل أسماء " جامع الهنا" و" جامع الربح".
وتمثل الساحة مركزا ثقافيا متعدد اللغات واللهجات والإثنيات في المغرب ما حولها إلى ذاكرة جماعية للتراث المغربي من خلال عروض الحكواتيين المعروفين محليا باسم " لحلايقية " اللذين اكتسب بعضهم شهرة كبيرة على الصعيد الوطني مثل " الصاروخ" و" بقشيش" إضافة إلى عروض فنية ل "اكناوة " و"عيساوة " و" أحيدوس" وغيرهم.
وتعتبر الساحة أيضا سوقا مفتوحا لجميع السلع والمنتوجات التقليدية المحلية بعد أن كانت قبل قرابة عقدين فضاء للتثقيف من خلال سوق الكتب والمجلات المستعملة.
فهذه الساحة التي لا تزال شهرتها إلى اليوم تشكل لغزا محيرا ، تعج بالفنون الإستعراضية الجميلة والغريبة الأشكال والأذواق تشمل إضافة لقصص "الحلايقية" وعروض البهلوانيين خدمات لقارئات الكف المعروفات باسم "الشوافات" والسحرة ومروضي الأفاعي والقردة إضافة إلى خدمات طبية شعبية.
ويتفق الجميع على أن ساحة جامع الفنا تتميز بأنها الساحة الوحيدة في المغرب، بل حتى في العالم، التي لا تتأثر بفصول الطبيعة أو أحداث موسمية في أنشطتها ، فحيويتها لا تتغير في برد الشتاء أو حرارة الصيف، بل حتى في أجواء شهر رمضان ، فإنها لا تستريح إلا في ساعة الإفطار قبل أن يعود روادها في الليل للاستمتاع بالفرجة.
وتظل الصورة الخلفية للساحة المفتوحة من مدخلها الرئيسي مستسلمة بهدوء لهيبة صومعة مسجد الكتبية التاريخي ، في تناس
ق تلقائي مع عربات " الكوتشي" التي تقل راكبيها بواسطة الخيول إلى جولات داخل المدينة ومحيطها.
وتتحول الساحة، التي تظل إلى حدود فترة العصر، فضاء مفتوحا للمترجلين ورواد الحلقات، فجأة إلى أحد أكبر المطاعم المفتوحة في العالم خلال المساء والليل ، بعد أن يتم نصب عدد من المطاعم المتنقلة بشكل هندسي مميز ، لعرض مختلف المأكولات والمشروبات التي يقبل عليها السياح والزوار بنهم في جو حميمي يشبه عرسا جماعيا مفتوحا.
كما تؤثت لهذه المطاعم ، مناظر بانورامية رائعة من أسطح مقاهي استمدت بدورها شهرة عالمية لارتباطها بالساحة على غرار "مقهى فرنسا" و" أركانة".
ولم يتردد المخرج العالمي ألفريد هتشكوك في استغلال الساحة لتصوير فيلم " الرجل الذي يعرف كثيرا" عام 1956 وكذا المخرج جيل ماكينون عام 1988 في تصوير فيلمه " مراكش إكسبريس".
كما أرخت عدة كتابات لماضي الساحة وأبرز " فنانيها" سواء من طرف كتاب أجانب، مثل إلياس كانيتي وكلود أوليي وأدونيس، أو مغاربة، مثل سعد سرحان وعبد الرحمن الملحوني وعبد الكبير الميناوي.
أما الكاتب الإسباني خوان غويتوصولو، الذي اختار الإقامة الدائمة بمراكش ، فلا يخفي ارتباطه الوجداني بساحة جامع الفنا .
ولم تتردد منظمة اليونسكو عام 2002 اعترافا منها بالقيمة التاريخية للساحة لتصنفها تراثا إنسانيا شفهيا ضمن قائمة التراث الإنساني اللامادي.